تقنيات

مدير IBM مصر: توقعات الناس حول الذكاء الاصطناعي مبالغة.. وهناك فارق بين الحكومة الإلكترونية والرقمية

من بين عشرات الشركات المصرية والعالمية، التي تعمل مع الحكومة المصرية في العديد من المشاريع التكنولوجية، تحتل شركة “آي بي إم” (IBM) مكانة متميزة تعود لعشرات السنين من الخبرة وفهم واع لطبيعة التكنولوجيا، وطبيعة السوق المصري بصورة خاصة؛ وهذا ما شجع موقع “مشبك” على القيام بهذا الحوار مع المهندس وائل عبدوش، مدير IBM في مصر، لمحاولة فهم خطة التحول الرقمي Digital Transformation التي تتبناها الحكومة، وتحديات وفرص نجاحها، والفرق بينها وبين المشروعات السابقة.

يتحدث الكثيرون عن التحول الرقمي، ولكن لا يتم التوقف عند المفهوم نفسه قبل محاولة تطبيقه، فكيف تُعرفه؟

أنظر للتحول الرقمي باعتباره طريقة لتقديم خدمات أفضل لأطراف متعددة، كل طرف منهم سيرى الأمر من زاوية مصلحته المباشرة، فالمواطن سيرى التحول الرقمي طريقة لتسهيل معاملاته مع الجهات الحكومية، بما يوفر له وقت وجهد ومال.

والدولة تنظر للتحول الرقمي باعتباره الخيار الأفضل لإدارة موارد الدولة، مثل ضمان وصول الدعم للمستحقين، أو دعم جهود محاربة الفساد، أو تحصيل الموارد والضرائب بدقة وشمول، وغيرها من تحديات تخطيط وتنفيذ وإدارة ومراقبة الخدمات التي تقدمها الدولة.

أما مؤسسات الأعمال، على اختلاف أحجامها وقطاعتها، فالأمر بالنسبة لها يفتح مجالا أوسع للعمل والاستثمار، وخلق المزيد من الفرص، وفتح المجال للأفكار الجديدة التي تتعامل مع التحديات المشتركة بحلول رقمية تناسب واقعنا المحلي.

ولكن البعض يعتقد أن التحول الرقمي يعني تقليص فرص العمل، والاستغناء عن العديد من الوظائف؟

هذه كلام غير دقيق، فالتحول الرقمي يعني فتح مجالات أكثر للعمل، من خلال عشرات الخدمات وفرص تأسيس المشروعات الجديدة، ولكن هذا يعني تغيير كبير في قواعد سوق العمل، والقادم يحمل الكثير من الفرص للمؤسسات والشركات التي تعمل في البيئات الرقمية، مثل الدخول في مجال التجارة الإلكترونية، وهو ما شجع عليه الرئيس السيسي خلال افتتاح معرض ومؤتمر القاهرة الدولي للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (Cairo ICT 2019)، وهذا يعني فرص عمل جديدة مباشرة وغير مباشرة، تتعلق بعمليات التحول الرقمي في القطاعين العام والخاص.

وهل ترى أن مصر بظروفها الحالية، تمتلك إمكانات تطبيق خطة التحول الرقمي بصورة ناجحة؟

هناك نشاط كبير وإرادة قوية لتحقيق ذلك، ففي مجال البنية الأساسية، هناك تغير شامل من أجل تطويرها بما يسمح باستيعاب خطط المستقبل، والموارد البشرية في مصر في مجال التكنولوجيا من الأفضل في العالم، خاصة مع برامج التدريب والتأهيل الجادة، ويكفي أن أضرب مثلا بما قامت به “آي بي إم” (IBM)، والتي قامت بتدريب 26 ألف شابًا مصريًا على مهارات تكنولوجيا متطورة عبر منصة “ديجيتال نيشن أفريقا” (Digital Nation Africa) للتعلم عن بعد.

وفيما يخص الجوانب التشريعية والتنظيمية، مثل قانون حماية البيانات والتوقيع الإلكتروني وغيرها، قامت وزارة الاتصالات بجهد كبير في هذا الشأن، وبداية هذا العام، دعا البرلمان المصري مجموعة من شركات التكنولوجيا، وتم عرض مسودات قوانين عليهم، ومنهم “آي بي إم” IBM، وتم الاستماع الي مختلف الآراء ووجهات النظر.

ذكية أم إلكترونية أم رقمية ؟!

منذ بداية الألفية، ونحن نسمع عن مشروعات الحكومة الإلكترونية ثم الذكية في مصر، ومع ذلك لم يتغير الكثير، فما المختلف الآن مع خطة التحول الرقمي؟

هناك اختلاف كبير من وجهة نظري، في السابق كان ينظر للتكنولوجيا باعتبارها عامل مساعد يُأخذ في الاعتبار، أما الآن فنحن أمام تغيير جذري يعتمد على التكنولوجيا في التعامل مع تحديات التنمية وفي تنشيط الفرص بصفة أساسية، وهذا يعني أن التحول الرقمي لا ينظر له باعتباره جزءً من خطة الدولة، ولكن هو الخطة نفسها، لذا تجد الحلول التكنولوجية مدمجة بصورة كاملة في مشروعات تطوير الصحة والتعليم والضرائب والبنية الأساسية والطاقة والمدن الجديدة، ومختلف الخدمات الحكومية.

في السابق أيضا كانت هناك حكومة أغلب أعضاءها من خلفية تكنولوجية، ومع ذلك بقت الأمور في حدود تجريبية ضيقة؟

النقطة الحاسمة هنا في أن القيادة السياسية تأخذ الأمر على عاتقها بجدية، ولديها فهم كبير بأهمية الاعتماد على التحول الرقمي في كل خطط الحكومة، وهي التي تدعو لذلك، وتلعب دورا حاسما في التحفيز والمتابعة والتنفيذ على الأرض، بإطار زمني واضح ومحدد.

وكيف يمكن تشجيع الناس على استخدام هذه الحلول في ظل تجارب سابقة محبطة؟

الثقة هنا كلمة السر، إذا شعر الناس أنهم بإمكانهم الاعتماد على هذه الخدمات دون تعقيد أو تكلفة إضافية، سيتحقق التحول الرقمي تدريجيًا، وهنا يلعب الإعلام دورا لتشجيع الناس على التجربة، وفهم الأمر بصورة صحيحة، ولا تنس أن الأجيال الجديدة لديها استعداد فطري لتقبل هذا التحول الرقمي، بل يتطلعون له، لأنه جزء من نمط حياتهم المعتاد، نتيجة انتشار الهواتف الذكية واستخدام شبكة الانترنت بصورة كبيرة، في دولة أكثر من نصف سكانها من الشباب أقل من 25 سنة، وأكثر من نصف عدد السكان يدخلون على الإنترنت بالفعل.

وأي نموذج تراه أفضل في التحول الرقمي، التطبيق على نطاق خدمات محددة “بايلوت”، أم على نطاق جغرافي محدد؟

أعتقد أن النموذج الأفضل هو تقديم كل الخدمات الرقمية المتاحة لمجموعة من المواطنين في نطاق جغرافي واحد كما حدث في مدينة بورسعيد، اعتمادا على بنية أساسية جيدة يشترك في الاستفادة منها مجموعة من الموطنين، لديهم سمة احتياجات وسلوك متقارب؛ وهذا يسمح بتجربة تلك الخدمات بصورة عادلة وبإيقاع سريع لفهم وتقييم التجربة، وتطويرها لاحقا، وهذا أعتقد أنه أفضل من تجربة خدمة واحدة على نطاق محدد.

وما الدور الذي تلعبه “آي بي إم” IBM في خطة التحول الرقمي؟

لدينا دور قديم وكبير وممتد، ونحن من أكثر الشركات العالمية التي لديها تواجد كبير في مشاريع ميكنة الخدمات والمعاملات الحكومية، بداية تعود لعشرات السنين، وصولا لمشروع التحول الرقمي في منظومة الضرائب الذي تم توقيعه مع وزارة المالية قبل أسابيع قليلة، مرورا بمشاريع مثل قواعد البيانات القومية الموحدة، ومركز خدمة المستثمرين “الشباك الواحد”، بالإضافة الي مشاريع التدريب وتأهيل الكفاءات البشرية، وهناك جزء رئيس متعلق بتقديم خدمات استشارية حول الحلول والتكنولوجيات الأنسب، من واقع خبرات الشركة الممتدة في مختلف دول العالم.

الذكاء الاصطناعي والحكومة

على أي مسافة ترى مشاريع التحول الرقمي في مصر متماشية مع أحدث الاتجاهات التكنولوجية العالمية؟

ما نلمسه هو الإصرار على تطبيق أفضل الحلول ذات الفائدة المباشرة على الخدمات الحكومية، وتلعب وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هنا دورا كبيرا لضمان استخدام أفضل الحلول بصورة تمثل الاحتياج الحقيقي، فمثلا، فيما يتعلق باستخدام الحوسبة السحابية في الخدمات الحكومية، نساعد في تطبيق لهذا المفهوم بصورته الحديثة، بالجمع بين الحوسبة السحابية الخاصة والعامة، وأيضا الحوسبة الهجينة “هايبرد كلاود” Hybrid Cloud، التي تجمع بين الإثنين، بما يتيح حماية البيانات الحكومية الحساسة بمنطق “الحوسبة الخاصة”، وفي نفس الوقت إضافة تطبيقات أكثر بمنطق “الحوسبة العامة”، بطريقة ديناميكية تعتمد على حلول الذكاء الاصطناعي.

كيف تعتمد IBM على حلول الذكاء الاصطناعي؟

لدينا واحدة من أفضل حلول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في العالم، وهي “واتسون” (Watson)، وقمنا بالعديد من المشاريع الناجحة، مثل مساعدة قطاع الصحة في اقتراح برامج علاج للسرطان، بناء على جمع وتحليل مئات الألوف من بيانات حالات السرطان، وهذا حدث قبل عامين في الولايات المتحدة، ويمكن أن يطبق في مصر أيضا، وأعتقد أنها مسالة وقت حتى يتداخل الذكاء الاصطناعي في مختلف نواحي حياتنا، ولدينا استعداد كبير لتقديم أي من هذه الحلول إذا طلبتها الحكومة المصرية.

وهل هذا يعنى أن كل الخدمات من حولنا يمكن أن تدار بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي؟

أعتقد أن الناس متعجلة لرؤية الذكاء الاصطناعي وهو يدير كل شيء حولنا، وهناك مبالغة في هذه التوقعات، فعلى أرض الواقع، بات الذكاء الاصطناعي متداخلا فعلا في صناعات وقطاعات خدمية كثيرة، ولكن ليس باعتباره حل متكامل مستقل بذاته، فالأمر يعتمد على مجموعة من المراحل، ولم يصل الذكاء الاصطناعي أبدا لهذا القدر من الاستقلالية بحيث يعمل بمفرده، ويتم الاستغناء عن العنصر البشري، فمراحل عمله ليست كلها متعلقة بالتقنية، هناك أمور مرتبطة بطبيعة البيانات المضافة، وطرق جمعها، واستخدامها، والسلوك البشري المرتبط بكل هذه المراحل.

يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى توافر بيانات جيدة وبكميات ضخمة تاريخية وحديثة ووقتية real time data، ثم تحويلها لصيغ رقمية، ثم ترتيبها وتنقحيها، ثم تأتي تكنولوجيات مثل “تعلم الآلة” Machine learning، لكي تستطيع رصد والتنقيب ورؤية العلاقات بين هذه البيانات، ومن ثم تبني على كل هذه المراحل تطبيقات وخدمات متعددة.

لكن في النهاية يظل الذكاء الاصطناعي عاملا مساعدا، لا يمكن أن يعمل بمفرده بصورة كاملة دون تدخل من العنصر البشري، الذي يستعين به، ولكن وفقا لمنطق “الذكاء المعزز للبيانات” Data Augmented intelligence لدمج هذه التقنيات في منظومة أوسع، ما زال العنصر البشري هو المتحكم فيها.

اضغط لتعلق

شارك بردك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top