عندما سئل أحد الحكماء عن مقولة مريحة ومطمئنة، قال: هذا الوقت سيمر! فإذا كنت سعيدا ناجحا تذكر أن تحافظ على نجاحك تخفيفا لأثر لحظات حزينة قادمة من الفشل، وإذا كنت فاشلا فإن إصرارك لابد وأن يبدل حالك يوما ما إلى النجاح.. لا لحظات مثالية على الدوام.. وكما يقول المثل المصري: “الضربة اللي متكسرش تقوي!”
من بين لحظات الفشل، مرت لحظة على المخترع السويدي ألفرد نوبل (1833 – 1896) شعر فيها بالحزن الشديد، بعدما وصفته صحيفة محلية بـ”تاجر الموت”، وقد رغب مخترع الديناميت في تحسين سمعته، فولدت لنا جوائز نوبل في السلام والأدب والعلوم.
وبمناسبة جوائز نوبل، يمكن القول أن العالم الأمريكي بولندي الأصل ألبرت ميكلسون (1852 – 1931) هو العالم الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل بسبب الفشل!
كان ميكلسون أول أمريكي يحصل على جائزة نوبل في العلوم بسبب فشله في قياس الأثير، وهي المادة التي اعتقد العلماء قديما أنها تحمل الضوء، وتجعله يسير وينتشر دون الحاجة إلى وسط أو مادة ينتقل خلاله، واعتقدوا أن الأثير مادة تملأ الفضاء الكوني، لكن ميكلسون لم يعثر على الأثير، واكتشف أن الضوء يحمل نفسه بنفسه، وبذلك مهد الطريق ليضع ألبرت أينشتاين نظريته الخاصة في النسبية، التي تكشف سلوك الضوء، وعدم اعتماده على وجود الأثير.
بالطبع تعرف سوني Sony، الشركة اليابانية العريقة التي يزيد عمرها اليوم عن 70 عاما، لقد كان أول منتج صنعته “سوني” هو جهاز لطهي الأرز يعمل بالكهرباء، وهو الجهاز الذي فشل في طهي الأرز بجدارة، وخرج منه الأرز ينقصه التسوية أو محترق بالكامل، وتسبب فشل الجهاز في تحول “سوني” إلى منتج بديل: جهاز تسجيل الكاسيت!
ولأن الفشل مهم كونه نتيجة محتملة للمحاولات والبحث، تهتم اليوم مجلات علمية ذات سمعة بنشر ومتابعة الأبحاث والتجارب الفاشلة، منها دورية النتائج السلبية في الطب الحيوي ودورية مقالات دعم الفرضيات التافهة!
ولا يغرنك الحلم الأمريكي فتعتقد أنه حلما منزوع الفشل، فالإحصائيات الرسمية تقول أن 10% في المتوسط من الشركات الأمريكية تخرج سنويا من خريطة السوق، وأن سجل الناجحين لا يخلو من فشل كارثي!
على سبيل المثال، ومثلما يمثل هنري فورد (1863 – 1947) علامة فارقة في مجال الصناعة، بصفته مؤسسا لشركة فورد للسيارات ومبتكرا لأسلوب الإنتاج باستخدام خطوط التجميع، فإن عقله لم يخلو من أفكارا أسوأ من عبقريته بكثير.
تمثل “فوردلانديا” Fordlandia فشلا كبيرا في مسيرة فورد، فقد بحث فورد عن بديل لكسر احتكار البريطانيين لإنتاج المطاط، المستخدم في صناعة الإطارات وأجزاء السيارات، فتوصل إلى زراعة 2.5 مليون فدان من أشجار المطاط في منطقة الأمازون وسط شمال البرازيل، فانتهى الأمر بفشل كارثي لمشروع أصبحت أشجاره بوفيها مفتوحا للحشرات واليرقات!
وربما تستحق منظمة “سيتي” SETI غير الربحية لقب المنظمة الأطول نفسا في مسيرة الفشل، فقد ظلت تراقب السماء طوال 53 عاما من أجل التقاط أي إشارة للتواصل مع الكائنات الفضائية دون جدوى!
وفي وقت يستعد فيه البشر لاستعمار المريخ، لم تضعف حادثة احتراق مركبة المريخ (Mars Climate Orbiter)، في عام 1999، من عزيمتنا في إرسال البعثات إلى الكوكب الأحمر، فقد احترقت المركبة التي تكلفت 125 مليون دولار في مدار المريخ بسبب استخدام برامج ملاحة بالوحدات المترية (المتر والجرام) بينما تم برمجة المحركات الدافعة بالوحدات الإنجليزية (البوصة والميل).
الفشل أيضا لم ينجح في تعطيل مسيرة مصادم الهادرونات الكبير LHC، فبعد 9 أيام من تشغيله، انصهرت وصلة لحام أدت إلى انفجار قنينة من الهيليوم السائل فائق التبريد، وبعد 14 شهرا، تعطل المصادم مرة أخرى بعد أن أسقط طائر قطعة من الخبز على لوحة إلكترونية مكشوفة، لكن الأمر انتهى بنجاح علماء المصادم في اكتشاف بوزون هيجز Higgs boson، وهو الجسيم الأولي الذي يعتقد بمسؤوليته عن اكتساب المادة لكتلتها، واعتبر طويلا قطعة مفقودة في النموذج القياسي للفيزياء منذ توقع بيتر هيجز لوجوده في عام 1964.