عبر التاريخ، ومع انتشار البشر في جميع أنحاء العالم، كانت الأوبئة والأمراض المعدية رفيقا دائما للجنس البشري، ولا زلنا نعيش آثار تفشي عدوى الكائنات المجهرية الدقيقة القاتلة في عصرنا الحديث، والتي لن يكون فيروس كورونا “كوفيد-19” بالتأكيد آخرها.. اطمئنوا.. فالجنس البشري مستمر رغم المحن!
من حالات تفشي الأوبئة التي يرصدها التاريخ البشري، الطاعون الأنطوني Antonine Plague، وهو وباء ضرب الإمبراطورية الرومانية في نهاية السلالة الأنطونية، خلال عهد ماركوس أوريليوس وخلفه كومودوس، بين عامي 165 و180 ميلادية، وقد أرجع العلماء سبب الوباء الأنطوني إلى القوات العائدة من حملاتها في الشرق الأدني، والتي تسببت في نقل العدوى التي قتلت 5 مليون شخص.
وقتل طاعون جستنيان Plague of Justinian ما بين 30 إلى 50 مليون شخص، وهو وباء ضرب الإمبراطورية البيزنطية، وخاصة عاصمتها القسطنطينية، وكذلك الإمبراطورية الساسانية والمدن الساحلية حول البحر الأبيض المتوسط، في الفترة من 541 إلى 544 ميلادية.
ويعتقد المؤرخون أن طاعون جستنيان هو أحد أكثر الأوبئة فتكا في التاريخ، وتسبب فيه السفن التجارية بما حملته من فئران تحمل البراغيث المصابة بالطاعون، وبلغت نسبة قتلى طاعون جستنيان في هذا الوقت ما يعادل 13 إلى 26% من عدد سكان العالم وقتها.
وفي الفترة من 735 إلى 737 ميلادية، تفشى وباء الجدري الياباني، فقتل مليون شخص تقريبا، ما يعادل 30% تقريبا من سكان اليابان وقتها، وتسبب الوباء في كارثة باليابان، وبلغت نسبة الوفيات في بعض المدن 60% من سكانها، كما تسبب الوباء في زيادة المعاناة بتأثيره على نتائج الحاصلات الزراعية، فانتشرت المجاعة، فاضطرت الإمبراطورية إلى إعفاء جميع السكان من الضرائب وقتها.
ومع الرجوع في أحداث التاريخ، ستصادف حتما الموت الأسود أو الطاعون الدبلي Black Death (Bubonic Plague)، وهو طاعون اجتاح أوروبا بين عامي 1347 و1351 ميلادية، فتسبب في مقتل 75 إلى 200 مليون شخص في كثير من التقديرات، أي ما يعادل 33% تقريبا من سكان القارة الأوروبية، وقد أرجع العلماء الطاعون الأسود إلى بكتيريا تعيش في أجسام القوارض الأرضية، وعلى رأسها مرموط بوباك Marmota bobak، وهو نوع من الحيوانات ينتمي إلى فصيلة السناجب.
وفي عام 1520 ميلادية، ضرب الجدري منطقة المكسيك وأمريكا الوسطى والجنوبية، فتسبب في مقتل 56 مليون شخص، وتتابعت موجات الجدري في السنوات التالية، لتضرب شيلي (1561 إلى 1591 م) والكثير من مدن وولايات أمريكا الشمالية (في الفترة من 1617 إلى 1902 م)، وإن بمعدل وفيات أقل بكثير.
وفي عام 1600 ميلادية، ضرب طاعون القرن السابع عشر العظيم الكثير من مناطق أوروبا، فقتل 3 مليون شخص تقريبا، وقد خلفه طاعون القرن الثامن عشر العظيم، في عام 1700 ميلادية، فتسبب في قتل 600 ألف شخص.
وفي الفترة من 1817 إلى 1923 ميلادية، تفشى وباء الكوليرا في العالم، فقتل مليون شخص تقريبا، وخلال هذه الفترة، في عام 1855 ميلادية، تسبب الطاعون الثالث The Third Plague في قتل 12 مليون شخص تقريبا في الصين والهند وحدهما، وهو وباء من الطاعون الدبلي أصاب مقاطعة يونان الصينية، وانتشر لاحقا في جميع العالم، وظل الوباء موجودا حتى عام 1959، حيث انخفض معدل الوفيات العالمي منه إلى 200 شخص فقط سنويا.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، عرفنا الحمى الصفراء، وهو مرض فيروسي انتقل عبر أنواع معينة من البعوض، تسبب في مقتل 150 ألف شخص تقريبا، وتسببت الإصابة به في تدمير أنسجة الكبد والكليتين، ويرجع اسمه إلى تجمع الأصباغ الصفراء تحت الجلد وتحوله إلى اللون الأصفر، وهو يصنف الآن من ضمن الأمراض المدارية المهملة.
وفي روسيا، بين عامي 1889 و1890 ميلادية، تم تسجيل أقدم وباء انفلونزا مسجل في التاريخ، تسبب فيه فيروس H2N2، وعرف بالإنفلونزا الروسية، وبدأ الوباء في روسيا وانتشر إلى أوروبا، ووصل إلى أمريكا الشمالية ثم إلى أمريكا اللاتينية وآسيا، فقتل مليون شخص تقريبا.
أما الإنفلونزا الأسبانية، والتي انتشرت بين عامي 1918 و1919، فقد تسببت في مقتل 50 مليون شخص على الأقل، وهو وباء انتشر في أعقاب الحرب العالمية الأولى في أوروبا والعالم، وهو نوع مدمر من فيروس الإنفلونزا (أ) H1N1، تميز بسرعة العدوى والانتشار، وقد أصيب به 500 مليون شخص على الأقل، وعلى عكس المعتاد، كان أغلبهم من البالغين والأصحاء وليسوا من كبار السن أو الأطفال أو المرضى ضعيفي المناعة.
وتسبب الإنفلونزا الآسيوية Asian Flu، بين عامي 1957 و1958 ميلادية، في مقتل 1,1 مليون شخص تقريبا، وتسببت إنفلونزا هونج كونج، في عام 1968 ميلادية، في مقتل مليون شخص تقريبا، وأصاب فيروس نقص المناعة المكتسب (الأيدز) HIV/AIDS ما بين 25 إلى 35 مليون شخص منذ ظهوره في عام 1981 حتى الآن.
وفي لحظات لا زالت قريبة، تسبب فيروس سارس “SARS”، في الفترة (2002 – 2003)، في مقتل 770 ألف شخص، وتسببت إنفلونزا الخنازير (2009 – 2010) في مقتل 200 ألف شخص، وتسببت متلازمة الشرق الأوسط التنفسية “MERS”، في الفترة (2012 – الآن)، في مقتل 850 ألف شخص، وتسببت الإيبولا (2014 – 2016) في مقتل أكثر من 11 ألف شخص.
واليوم، يعيش العالم أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” COVID-19، منذ أواخر العام الماضي 2019، والذي أصاب أكثر من 4 مليون شخص حتى لحظة كتابة هذه السطور، فتعافى 1,4 مليون شخص منهم، ولقى 280 ألف شخص تقريبا حتفهم، ويبدو أن التعداد سيتصاعد لفترة ليست بالقليلة حتى الوصول إلى علاج ولقاح للمرض.