اخترنا لك

الخصوصية.. هذا الوهم الذي تبيعه لنا الشركات التكنولوجية

تمطرنا الشركات التكنولوجية العالمية بوابل من المواقف، التي تظهر مدى اهتمامها بخصوصيتنا، وحرصها الدائم على حفظ بياناتنا في خزائن أمينة، لكن في الواقع هذه الشركات هي المنتهك الأول لخصوصيتنا، والمستغل الأول لبيانتنا وأنشطتنا الشخصية.. لكن كيف؟

تطبيقات شهيرة، وشبكات اجتماعية عملاقة، ومواقع إلكترونية عديدة، وخدمات نستخدمها على الإنترنت بشكل يومي، تضع لنا بنودًا كثيرة لشروط الاستخدام، نوافق عليها دون أن نكلف أنفسنا عناء قراءتها، بعد أن نتوه وسط سطورها الطويلة، لنوافق على انتهاك خصوصيتنا بإرادتنا، وبنقرة واحدة على شاشات هواتفنا، أو على زر “Enter” إذا كنا نستخدم جهاز كمبيوتر.

هكذا تُتنهك خصوصيتك

تتضمن شروط استخدام معظم الخدمات الإلكترونية عبارة “نحن نتلقي بعض المعلومات تلقائيًا عند استخدامك الخدمة، بما في ذلك بيانات حول جهازك، والبرمجيات المستخدمة فيه، ونظام التشغيل، والعمليات كافة التي تجريها من خلاله”، أو عبارات شبيهة لها، وأنت تضغط على “أوافق على الشروط” أو “Accept Terms” دون قراءة، لتضيع على نفسك حقك في مقاضاة هذه الخدمات لاستغلالها خصوصيتك.

كشفت دراسة أجرتها الشبكة العالمية لتعزيز الخصوصية “GPEN”، عام 2014، على 1211 تطبيقًا للهواتف المحمولة، أن 85% منها لم تكشف بشكل واضح للمستخدم طبيعة البيانات التي تجمعها، وكيف تستخدمها، وتبين أن واحدًا تقريبًا من بين كل ثلاثة تطبيقات يطلب الحصول على كمية كبيرة للغاية من البيانات الشخصية.

وخلصت الدراسة، التي نشرت نتائجها شبكة “BBC” الإخبارية، إلى أن 43% من التطبيقات لم تعرض سياسة الخصوصية بشكل يتيح للمستخدم الاطلاع عليها، سواء على صعيد توافقها مع الشاشة الصغيرة للهاتف، من خلال تقديم معلومات بحروف صغيرة جدًا، أو إخفاء المعلومات المهمة في سياسات مطولة تتطلب تصفح العديد من الصفحات أو النقر عليها، لذا فالشركات تسعى جاهدة للحصول على موافقتك على شروطها رغمًا عن أنفك.

سوشيال ميديا

من بين التطبيقات والمواقع التي تتضمن سياستها للخصوصية العديد من البنود التي تتيح لها الوصول إلى كم كبير من المعلومات، شبكات التواصل الاجتماعي الشهيرة، والتي يتم التعامل معها يوميًا، ولا يمكن الاستغناء عنها، مثل تويتر وفيسبوك وإنستجرام، وهو ما يجعلها تتحول من مجرد وسيط للتواصل إلى جاسوس على جهاز المستخدم.

ربما يفسر هذا دخولك إلى موقع مثل “سوق.كوم” للبحث عن “آيفون 7″، وأنت تفتح في نافذة أخرى حسابك على فيسبوك، لتجد إعلانات “سوق.كوم” الخاصة بالهاتف تظهر لك تلقائيًا في صفحتك الرئيسية على الشبكة الاجتماعية.

للاطلاع على سياسة خصوصية فيسبوك اضغط هنا وتويتر اضغط هنا

88514856036887335

لماذا؟

لا بد أن سببًا وراء إصرار الخدمات الإلكترونية على جمع هذه المعلومات، قد يراه البعض منطقيًا، فيما يعتبره البعض انتهاكًا صريحًا للحياة الشخصية، بكل بساطة  هذه الخدمات تهدف دائمًا إلى جذب المعلنين، وبالتالي تسعى جاهدة للتعرف على اهتمامات المستخدم كي تقدم له الإعلانات التي تتوافق معها.

وكي تتمكن هذه الخدمات من الحفاظ على مستخدميها، فهي أيضًا تجمع المعلومات، حتى تتمكن من تحسين تجربة المستخدم، وتقدم المزيد من المزايا له، وذلك حسبما تشير الخدمات الإلكترونية كافة في سياستها للخصوصية، لكن بنظرة فاحصة إلى هذه السياسات نجدها تتيح لخدمات أخرى انتهاك خصوصية المستخدم، فهناك بند يكاد يكون ثابتًا في معظم سياسات خصوصية هذه الخدمات باختلاف الصياغة من تطبيق لآخر، وهو “للأطراف الثالثة، التي تساعدنا في تقديم وتحسين خدماتنا، الحرية الكاملة في الاطلاع على البيانات الخاصة بالمستخدم في إطار سياسة الخصوصية التي وافق عليها”، وهكذا أنت لا توافق للخدمة التي تستخدمها وحدها، بانتهاك خصوصيتك، وإنما تسمح بذلك أيضًا لخدمات أخرى.

مضطرة

في الواقع الخدمات الإلكترونية مضطرة إلى جمع معلومات عن المستخدمين لتوفر لهم خدمة مميزة، وتحقق أرباحًا مالية في النهاية من الإعلانات، فهي ليست مؤسسة خيرية غير هادفة للربح، لكن يجب أن يكون هناك قيود على البيانات التي تجمعها، خصوصًا أن كمًا كبيرًا من هذه المعلومات لن يفيد في شيء، لكن يسهل من اختراق خصوصية المستخدم، فطالما الخدمة الإلكترونية قادرة على الوصول إلى هذه البيانات، لن يكون صعبًا شن هجمة إلكترونية لاختراق بيانات المستخدم لأن الوصول إليها متاح.

كما أن الشركات المالكة للخدمات الإلكترونية قد تستجيب لضغوط أي جهة سيادية للكشف عن بيانات أحد المستخدمين، لتنأى بنفسها عن المشكلات، وربما تصر على حماية بيانات مستخدميها من أي أطراف خارجية، مثلما فعلت أبل، مارس الماضي، في إطار معركتها مع الحكومة الأمريكية، عندما صمدت أمام الضغوط، ورفضت فك تشفير هاتف “آيفون” الخاص بسيد فاروق، الذي نفذ هجومًا إرهابيًا، العام الماضي، بالولايات المتحدة، وربما يكون هذا الموقف إيمانًا بأهمية خصوصية المستخدمين أو قد يكون لأغراض تسويقية.

بالتأكيد يرهقك القلق عندما تتعامل مع الخدمات الإلكترونية، وأنت تعلم أن هناك من يراقب الأنشطة كافة التي تتم على جهازك.

لذا عليك أن تقرأ بنود سياسة الخصوصية وشروط الاستخدام  في أي خدمة إلكترونية تُقبل على استخدامها، وتفهمها جيدًا، قبل أن توافق عليها، كي تستطيع حماية خصوصيتك إلى أقصى درجة ممكنة، خصوصًا أن هناك خدمات تتيح لك تفعيل بعض الخيارات التي تحول دون وصولها إلى بعض المعلومات الشخصية.

اضغط لتعلق

شارك بردك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

To Top