ما بين تخوف وتوقع، أصبح هناك وجهة نظر سائدة تمهد الطريق لسيادة الذكاء الاصطناعي في المستقبل، خاصة مع التطور الهائل الذي تحظي به الروبوتات كل يوم، في ذلك الحوار يأتي نويل شاركي بوجهة نظر مخالفة تماما، تقول إن الروبوتات غير قادرة على السيطرة والحكم في المستقبل، وهي وجهة نظر لا تحظى بتأييد حتى من القائمين على الصحافة العلمية، كما سيتضح لك من الحوار الذي أجرته معه مجلة “نيو ساينتست” New Scientist العلمية.
اقرأ أيضًا:
الروبوتات.. “بداية نهاية” مستقبل البشر
ونويل شاركي، هو أستاذ الذكاء الاصطناعي والروبوتات بجامعة شيفيلد، ويقدم برنامجا إذاعيا بعنوان صوت العلم Sound of Science.
بداية وضح لنا قصدك عندما تتحدث عن الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence AI؟
إنني أفضل تعريف رائد الذكاء الاصطناعي مارفين مينسكي عندما قال إنه العلم الذي يجعل الآلة تقوم بتصرف يحتاج إلى ذكاء بالقدر الذي كان سيقوم به إنسان في نفس موضعها.
لذلك فإن هناك كثير من الأفعال الذكية التي يمكن للآلة أن تؤديها دون جلبة، فالإنسان مثلا له ذاكرة محدودة، وبالنسبة إليه فإن لعبة ذهنية مثل الشطرنج تتطلب قدرا كبيرا من الذكاء وحسن التخطيط، وكمبيوتر مثل الأزرق العميق Deep Blue استطاع التغلب على بطل العالم في الشطرنج ذات مرة بالضربة القاضية، لأن له القدرة على تحليل ملايين الحركات المتوقعة وحساب نتائجها في لحظات، لذا فإنني دوما أعيد صياغة تعريف مينسكي عن الذكاء الاصطناعي بأنه العلم الذي يجعل الآلة تقوم بالتصرف الذي يقودنا إلى وصفها بالذكاء.
وهل الآلة ذكية فعلا؟
لو أننا نتكلم عن الذكاء بذلك الحس الحيواني داخلنا منذ أيام تطورنا إلى الآن، فعلى الجواب بلا، فالذي يملك الذكاء هو الشخص الذي يقوم بعمل اللوغاريتمات والبرمجة لتلك الآلة وليس الآلة نفسها.
وهل نحن على مشارف بناء آلة لها نصيب من الوعي والإدراك؟
إنني شخص أمبيريقي (يؤمن بالتجربة والملاحظة والاختبار)، وليس هناك دليل حتى الآن علي ذلك، كما أننا غالبا ما ننسى أن الحديث عن العقل أو المخ كعمليات محوسبة Computational هو فرض وليس حقيقة، وعندما أوضح تلك النقطة إلى المؤمنين بالنظرية الحسابية للعقل البشري، تصب معظم الآراء في الجانب الديني، إن المخ هو كيان فيزيائي لا يمكن إعادة صياغة مثيل له يؤدي وظائفه بواسطة كمبيوتر.
لماذا إذن كل تلك التنبؤات بخصوص سيطرة الروبوتات في المستقبل؟
هناك دوما خوف من التقنيات الجديدة يرجع إلى عدم الإدراك التام لطبيعة التطورات السريعة في ذلك المجال، إنني أعشق الخيال العلمي لأنني أجده موحيا، ولكنني أتعامل معه كخيال، إن مصنوعات الإنسان التقنية لا تملك الإرادة الحرة ولا الشهوات أو الرغبات التي تحثها على ذلك، فمن أين لها أن تريد السيطرة؟ هكذا قال أسحق عظيموف عندما بدأ الكتابة عن الروبوتات، وعندما يهاتفني صحفي ما وأخبره أنني لا أؤمن بأن الروبوتات سوف تسيطر يوما علي العالم، ينهي المكالمة متجاهلا كل تعليقاتي.
لكن هناك العديد من الآراء المخالفة لك من زملائك في ذلك الحقل؟
نعم، فهانز مورافيك مثلا يقول إن الكمبيوتر يتطور بسرعة فائقة سوف تجعل له إمكانات تفوق المخ البشري، مما سيجعلنا نحن البشر نتخلف إلى مرتبة أدني منه، وكذلك المخترع راي كرزويل الذي يرى أن البشر، بحلول عام 2045، سوف يحققوا اندماجا مع الآلة يجعلهم يعيشون للأبد، بالنسبة إلي فإن ذلك مثل حكايات جدتي، ولا أرى علامة على حدوث ذلك، تلك الأفكار تبني على أن عملية الذكاء عملية محوسبة، إنها يمكن أن تكون كذلك وتمكن ألا تكون، وعملي في الوقت الحالي حول مشكلات الذكاء الاصطناعي يجعلني لا أرى أي دليل على أن الروبوتات سوف تملك السيطرة في المستقبل.
وكيف تري العالم إذا صدقنا افتراضية السيطرة تلك؟
سوف نتسارع بمصيرنا نحو عالم مضطرب تدار فيه الحروب والسياسات بواسطة مخلوقات تقنية ليس لديها إحساس أو إدراك أو فهم.
ما هو رأيك تجاه الروبوت جليس المسنين والذي يعتني بهم في شيخوختهم؟
الروبوتات جليسة المسنين Eldercare Robotics، والتي طورتها اليابان بسرعة فائقة، سوف تكون ذات فائدة عظيمة للاعتناء بنا داخل المنزل في فترة شيخوختنا دون حاجتنا إلي مساعدة خارجية، ولكن سلبيتها في ميزتها، فالمسن لا يحتاج فقط لمن يخدمه ولكنه يحتاج بشدة إلى الحب والتواصل الإنساني وزيارات الأهل والأصحاب، والروبوتات لن تستطيع تقديم ذلك الود إلينا.
لك رأي أيضا بخصوص الروبوتات الحربية؟
هناك آلاف الروبوتات في البر والجو تقدم فائدة حربية عظيمة، فلا أحد ينكر فائدة الروبوتات نازعة الألغام في حماية حياة الجنود، ولكن اهتمامي ينصب على الروبوتات المقاتلة، والتي لا تستطيع التفرقة بين العدو والصديق، والكلام الحالي عن كونهم يطورون أنظمة تستطيع التفرقة بين المذنب والبريء كلام أراه غير مدعم بأسانيد وغير مسؤول.
لذلك أنت تنادي دوما بوجود إرشادات وقوانين أخلاقية تحكم استخدام الروبوتات؟
من عملي في حقل أخلاقيات الروبوتات كتبت كثيرا عن الروبوتات التي تعتني بالأطفال والمسنين والروبوتات الطبية، وقضيت وقتا طويلا أدرس التشريعات الحالية التي تحكم ذلك، وأري أنها ما زالت قاصرة، ولا أجد مبررا لتلك الآراء التي تقول بوجود مزيد من الوقت لدينا، أن التطورات ستكون سريعة كما تطورت الإنترنت وكنا غير جاهزين لها، وإنني أخشى خروج الجني من الزجاجة فلا نستطيع إعادته إليها مرة أخري.