تؤثر الممارسات والإجراءات التي يتخذها المستخدمون عبر الإنترنت تأثيرًا مباشرًا في العالم المادي، في ظلّ التشابك التام لخيوط الحياتين الرقمية والواقعية. وتُعدّ أكثر المجالات تأثرًا في هذا الصّدد الاتصالات ومشاركة الآخرين بالمعلومات الشخصية، حيث من الممكن أن يُساء استخدام تفاصيل المستخدمين إلى حدّ الإضرار بهم.
وقد بحث خبراء كاسبرسكي في اثنتين من العواقب الناجمة عن مشاركة البيانات الشخصية في المجال العام؛سواء عن طيب خاطر أومن غير قصد، وهو ما يُعرف باستقاء المعلومات الشخصية ونشرها، أي الكشف عن هوية شخص ما عبر الإنترنتوبيع بياناته الشخصية عبر الإنترنت المظلمة. واتضح للخبراء أن الوصول إلى البيانات الحساسة مثل السجلات الطبية أو معلومات الهوية الشخصية يمكن أن يكلف أقلّ من ثمن فنجان قهوة.
وبينما يتزايد وعي الأفراد بقضايا الخصوصية، ما زال لدى معظمهم فهم عام فقط لسبب أهميتها؛إذ يرى 37% من أبناء جيل الألفية أنهم أبسط من أن يصبحوا ضحايا للجرائم الرقمية. لكن هذه ليست هي الحال في الواقع. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤثر استقاء المعلومات، الذي يعد بشكل ما طريقة للتنمّرعلى الآخرين، في أي مستخدم صوته مسموع عبر الإنترنت أو لا تتوافق معاييره مع المعايير الشخصية لمستخدمين آخرين.
ويحدث استقاء المعلومات عندما يحصل شخص على معلومات خاصة بشخص آخر ويكشف عنها دون موافقته، بهدف إحراجه أو إيذائه أو تعريضه للخطر. لكن المستخدمين عادةً لا يتوقعونتسرّب المعلومات الشخصية إلى المجال العام، وحتى لو حدث ذلك، فهم لا يتوقعونمدى الضرر الذي قد يصيبهم جرّاء ذلك. ولكن كما تبين الممارسات، فإن بإمكان الجهات التي تسعى وراء الاستغلال والإساءة، أن تسخّر استقاء المعلومات في اختراق حسابات الضحية المستهدفة، وهي خدمة يجري تقديمها حاليًا في الأسواق المظلمة.
وحلّلت أبحاث كاسبرسكي أبرز المنتجات في 10 منتديات وأسواق مظلمة حول العالم، لفهم طرق استخدام معلومات المستخدمين الشخصية عند وقوعها في الأيدي الخطأ. وأظهر البحث أن الوصول إلى البيانات الشخصية يمكن أن يبدأ من 50 سنتًا للهوية، اعتمادًا على عمق واتساع البيانات المتاحة،كما أن بعض المعلومات الشخصية ما تزال تحظى بمستوى الطلب نفسه الذي كانتعليه منذ نحو عقد من الزمان،مثل بيانات بطاقات الائتمان، وبيانات الخدمات المصرفية والوصول إلى خدماتالسداد الرقمي، مع ثبات أسعارها في السنوات القليلة الماضية.
وقد ظهرت أنواع جديدة من البيانات تتضمن السجلات الطبية الشخصية والصور الشخصية مع وثائق الهوية الشخصية، والتي قد تتجاوز تكلفتها 40 دولارًا. ويعكس النمو في حالات الحصول على الصور والمستندات وارتفاع المخططات التي تستغلّها توجّهًا متناميًا في لعبة استقاء المعلومات الرقمية.
ويرى الخبراء أن إساءة استغلال هذه البيانات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، مثل انتحال هوية الضحايا والحصول على الخدمات المقدمة لهم على أساس هويتهم المنتحلة.
وتُعدّ عواقب إساءة استخدام أنواع أخرى من البيانات الشخصية خطرة أيضًا؛إذ يمكن استخدام البيانات التي يجري بيعها في السوق المظلمة في عمليات الابتزاز والاحتيال وفي مخططات التصيد والسرقة المباشرة للأموال. كما يمكن إساءة استخدام أنواع معينة من البيانات، مثل الوصول إلى الحسابات الشخصية أو قواعد بيانات كلمات المرور، دون أن يقتصر الهدف على تحقيق مكاسب مالية فقط، ولكن يمتدّ لإلحاق الضرر بالسمعة وإحداث أضرار اجتماعية تشمل استقاء المعلومات ونشرها.
وقال ديمتري غالوف الباحث الأمني في فريق البحث والتحليل لدى كاسبرسكي، إن الرقمنة شملت خلالالسنوات القليلة الماضية العديد من مجالات الحياة،مشيرًا إلى أن بعضها، كالصحة، أصبح يكتسب “طابعًا أكثر خصوصية”،الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من المخاطر للمستخدمين، بالنظر إلى “العدد المتزايد من حوادث تسريب المعلومات”. لكنه أضاف: “هناك في المقابل تطورات إيجابية، حيث تتخذ العديد من المنشآت خطوات إضافية لتأمين بيانات المستخدمين، كما حقّقت منصات التواصل الاجتماعي تقدمًا كبيرًا في هذا الصدد،فأصبح من الصعب سرقة حساب مستخدم معين. ومع ذلك، يسلّط بحثنا الضوء على أهمية أن يدرك المستخدم أن بياناته تبقى مطلوبة وقابلة للاستخدام لأغراض خبيثة،حتى وإن لم يكن لديه الكثير من المال ولا يعبّر عن آراء مثيرة للجدل ولا يكون كثير النشاط على الإنترنت”.
من جانبه، أوضح فلاديسلاف توشكانوف خبير الخصوصية لدى كاسبرسكي، أنه يجب على المرء أن يدرك أن الحضور والتعبير عن النفس عبر الإنترنت لا يُعتبر من ممارسة خاصةتمامًا، مشبّهًا هذا الأمر بـ “الصراخ في شارع مزدحم، حيث لا تعرف أبدًا من قد يعترض طريقك ويختلف معك وكيف يمكن أن تكون ردة فعله، ومن هنا تأتي المخاطر”. وقال: “لا يعني هذا طبعًا أن نُغلق حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي. فالأمر كله يتعلق بإدراك المخاطر والعواقب المحتملة والاستعداد لها، ويظلّ أفضل أسلوب يمكن اتباعه عندما يتعلق الأمر ببياناتنامتمثلًا في إدراك مدى ما يعرفه الآخرون عنا، وحذف ما يمكن حذفه،والتحكم فيما يمكن نشرهمن معلومات. ومع أن الأمر يبدو بسيطًا لكن تحقيقه يتطلب جهدًا”.
ويمكن الاطلاع عبر مدونة Securelist على التقرير المعنون بـ “استقاء المعلومات وسرقتها والكشف عنها. ما هو مآل بياناتك الشخصية؟” للتعرف أكثر على ممارسات استقاء المعلومات وسوء استغلال البيانات.